الرباط – تضطلع الثقافة بدور محوري في التقريب بين الشعوب وإشاعة قيم الحوار والانفتاح على الآخر، وهو أمر بات المغرب يكرسه بقوة خلال السنوات الأخيرة تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ما جعل من هذه القوة الناعمة آلية فعالة تساهم في خدمة الإشعاع القاري والدولي للمملكة.
فإذا كان من نافل القول أن المغرب مافتئ يسجل بقيادة جلالة الملك حضورا قويا على المستوى الدولي في مختلف المجالات بما في ذلك خدمة السلم عبر العالم، ومكافحة التطرف العنيف، وخدمة قضايا الهجرة، وغيرها، فإن المجال الثقافي ساهم بدوره في تكريس إشعاع المملكة وتعزيز صورتها عبر العالم باعتبارها بلدا يتسم بأصالة وغنى تراثه المادي واللامادي.
ولئن كانت تجليات هذا الحضور البارز للمملكة على هذا المستوى بفضل المجال الثقافي متنوعة، فإن هناك تجليين اثنين بالخصوص يؤكدان على هذا المعطى، يتمثل أولهما في اختيار الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي برسم سنة 2022 من طرف الإيسيسكو، حيث تشمل فعاليات الاحتفاء بهذا الحدث، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، تنفيذ مجموعة كبيرة من البرامج والأنشطة في الرباط وغيرها من مدن المملكة لإبراز المكانة الحضارية التي تتمتع بها عاصمة الأنوار، وما تزخر به من موروث تقافي مادي وغير مادي.
أما التجلي الثاني، فهو اختيار الرباط أيضا عاصمة للثقافة الإفريقية (يونيو 2022- ماي 2023)، وهو حدث لا يعكس صورة مغرب مفتخر بحضارته ومعتز بتجليات ثقافته فقط، وإنما يتعداه إلى تقديم الوجه المشرق للقارة الإفريقية بحضاراتها وثقافاتها المتنوعة بتجلياتها المادية واللامادية على السواء.
على أن هذه الحظوة التي تعرفها الرباط من خلال اختيارها عاصمة للثقافتين الإسلامية والإفريقية في عام واحد، إنما تعكس الموقع الذي تحتله عاصمة المملكة وتشهد بالتطور الكبير الذي تعرفه سيما على المستوى الثقافي، وهو ما تحقق لها أساسا بفضل المشروع الملكي “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية”، الذي حول المدينة إلى ورش مفتوح جعلها تحظى ببنيات تحتية متطورة تؤهلها لاستقبال مختلف التظاهرات الثقافية والفنية العالمية.
وفي واقع الأمر، فإن هذا الحرص الملكي السامي على النهوض بالوجه الثقافي للعاصمة، وما واكبه من مبادرات ملكية متعددة لتقريب البنيات الثقافية من المواطنين في مختلف جهات المملكة بما في ذلك الاعتناء بالمتاحف وإقامة المسارح، وازته أيضا جهود محمودة أخرى برعاية وإشراف فعلي من جلالة الملك تقوم على التدبير الأمثل للتنوع الثقافي للمملكة بما يشمله من روافد لغوية ودينية وعرقية.
فالعمق التاريخي للمغرب وغنى تنوعه الثقافي والحرص الملكي الموصول على صيانته والارتقاء بمختلف روافده بما يجعل منه بوتقة تنصهر فيها مختلف التعبيرات الثقافية والانتماءات العرقية والدينية، إنما يقدم نموذجا للطريقة التي يجب أن يتم بها تدبير هذا التنوع بما يجعل منه مصدرا للثراء وليس سببا في النزاعات كما يحدث في غير واحدة من بقاع العالم.
ولعل من أبرز وآخر تجليات الحرص الملكي السامي لتكريس هذا التنوع والحفاظ عليه ما تم عرضه من أمام جلالة الملك خلال المجلس الوزاري ليوم 13 يوليوز الجاري، من تدابير تم إعدادها تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، بشأن تنظيم الطائفة اليهودية المغربية، وهي التدابير التي تستمد روحها “من الأمانة العظمى، التي يتولاها جلالة الملك، أمير المؤمنين، الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية، وتكريسا للرافد العبري كمكون للثقافة المغربية الغنية بتعدد روافدها”.
وإلى جانب النموذج الناجح الذي بات المغرب يقدمه في مجال تدبير التنوع الثقافي، فإن هناك تجليات أخرى تعكس إسهام الثقافة في إشاعة الصورة المشرقة للمغرب على المستوى الدولي، لعل من أبرزها الحضور المتنامي للمملكة في التظاهرات الثقافية العالمية من قبيل المهرجانات السينمائية والمعارض المتحفية ومعارض الكتاب والملتقيات الأدبية وغيرها، سواء منها تلك التي تحتضنها المملكة أو تلك تنظم في الخارج.
وفي واقع الأمر فإن هذا الانفتاح الثقافي على الخارج يشكل فرصة مثالية للدبلوماسية الثقافية لتعزيز صورة المملكة باعتبارها بلدا يشيع قيم الحوار بين الثقافات والتعارف بين الشعوب، وكل ذلك في ظل قيادة جلالة الملك الذي ما فتئ يؤكد على الدور الحاسم للثقافة في خدمة الدول والشعوب، وهو ما أكده جلالته على سبيل المثال في الخطاب السامي الذي وجهه لقمة الاتحاد الأوروبي-الاتحاد الإفريقي السادسة، حين شدد على “أهمية استئناف مختلف أشكال التعاون الثقافي من أجل إعطاء دفعة جديدة لهذا القطاع، الذي يعد رافعة حقيقية للتقارب في إفريقيا وفي أوروبا وبين إفريقيا وأوروبا”.
وبالحديث عن التقارب بين القارات والشعوب، تجدر الإشارة إلى العناية السامية التي ما فتئ جلالة الملك يوليها لأبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، باعتبارهم “سفراء لبلدهم” في دول الإقامة، ويساهمون في تقديم صورة مثلى عن بلد يتشبث أبناؤه بهويتهم الوطنية، ويشيعون في كل أرض تطأها أقدامهم قيم الانفتاح والتسامح التي تربوا عليها.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة أيضا إلى الحضور المتنامي للمغرب، من خلال مواقعه التراثية، في قائمة قائمة اليونسكو للتراث العالمي للإنسانية، وكذا إلى الرفع من عدد عناصر التراث اللامادي المغربي في قوائم منظمة الإيسيسكو ، وكلها منجزات تكرس، إلى جانب توليفة المؤهلات التاريخية والالتزامات السياسية والمبادرات العملية، صورة المغرب على المستوى العالمي باعتباره وجهة مميزة للسياحة الثقافية.