الرباط – وقع الكاتب والناقد الفني فريد الزاهي بالرباط كتابه الجديد “في ثنايا الصورة”، الصادر حديثا عن دار خطوط وظلال الأردنية، ليواصل مغامرة عميقة وتراكمية لمساءلة الأبعاد الفلسفية والأنثروبولوجية والتاريخية للصورة.
يقول الزاهي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء وقناتها الإخبارية M24 على هامش حفل التوقيع في إطار أنشطة المعرض الدولي للكتاب والنشر: “أحاول كل مرة أن استكنه قضايا جديدة باعتبار أن نقاد السينما والفوتوغرافيا والفنون التشكيلية لا يعتبرون أن عملهم يدخل في فكر الصورة”، وإنما ينكبون على أعمال بصرية مباشرة.
إنه عمل فردي، يضيف فريد الزاهي الذي أغنى المكتبة العربية بأبحاث رائدة وأصيلة في مقاربة الجماليات البصرية، من خلال كتبه ومقالاته، لكن المشروع بدأ يعطي ثماره التي يجسدها اهتمام العديد من الشباب بقضايا الصورة في الحقل البحثي المغربي والعربي. إنه مجهود يهتم بالخلفيات التي لا يمكن من دونها التعامل مع الصورة بوعي نقدي.
يحمل الزاهي هم التوطين لفكر الصورة في فضاء فكري واجتماعي يبدي تحفظا تجاه هذا الكائن البصري. الصورة، على حد قوله، “كائن اشكالي لأننا نحن أبناء ثقافة متمركزة على اللغة، شفهية كانت أم مكتوبة، وعلى الصورة الخيالية التي يمنحها المجاز والبلاغة في الشعر والرواية وغيرهما”. وهو يذكر بأن الصورة البصرية ظلت مكبوتة في الثقافة العربية، وظل تحريمها مرتبطا بالمقدس، بل إن ثمة عودة لهذا التحريم في الفضاء العام.
حالة يصفها الزاهي بسكيزوفرينيا..ذلك أن “ما نأخذه باليد اليمنى نرفضه باليد اليسرى”. فهناك انغمار كبير في الصورة والصور “الى الحد الذي ننسى معه التفكير في هذه الصورة نفسها التي تكون هي مرآتنا أولا، هي صورتنا العينية، وهي إبداعنا”.
يسعى الزاهي من خلال هذا الكتاب الى الحث على التفكير في الصورة بقناعة أن الفيلسوف والأنثروبولوجي هو القادر على أن ينتج مثل هذا التفكير.
واقع حال العلاقة مع الصورة يلخصه الزاهي بقوله: “نحن نستعمل الصور، نشاهدها، نصور أنفسنا بالسيلفي وبغيره…لكن دون تفكير، كأن علاقتنا بالصورة سابقة على وجودنا، علاقة لا واعية”، يعبر عنها تشبيها بقوله “لقد صرنا نعيش في الصور كأنها قماطنا الأصلي”.
الانغمار في الصورة لا يعني تملكها. ينبه الباحث الى أنه “عوض أن نفكر في الصورة نتركها تفكر فينا وبنا، دون أن نتعامل معها بعقلية نقادة تفرز الصورة وتحدد ماهيتها. الصورة غامضة ملتبسة تنفلت منا”.
ما الذي استجد في هذه الإشكالية على ضوء الاجتياح الرقمي الذي شكل عالما قائما على هيمنة الصورة؟ يرى الزاهي أن العالم الرقمي سرع من وتيرة هذا الانغماس. “بنقرة واحدة نخلق صورة، ونغير ملامح، ونتلاعب بها، لكن هذا يطرح مسألة أساسية: الصورة لا حقيقة لها، بل تصنع حقائق افتراضية متجددة، لأنها تعامل عينك لا عقلك”. إن هذا الفيض في الصورة يخلق علاقة اشكالية يخلص إليها فريد الزاهي قائلا: “لا زلنا نستعمل الصور لكن في الحقيقة الصور هي التي تستعملنا”.
والى جانب “في ثنايا الصورة”، وقع الزاهي أيضا، ضمن منشورات الدار نفسها، ترجمة لكتاب الباحثة رشيدة التونسية “الصورة كما نراها وكما نتصورها”.
إصداران عززا قائمة طويلة ومتنوعة من الإصدارات من بينها “الحكاية والمتخيل: دراسات في السرد الروائي والقصصي”، “الجسد والصورة والمقدس في الإسلام”، “النص والجسد والتأويل”، و “العين والمرآة”. ومن ترجماته “علم النص” لجوليا كريستيفا، “صيف في ستوكهولم” لعبد الكبير الخطيبي، “الصورة وموتها” لريجيس ديبريه، “السحر والدين في افريقيا الشمالية” لإدمون دوطي و”تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث” لدافيد لوبروتون.